رجعنا للضيعة رجعنا....منعم حلبي

يوم الخميس الاخير كان من المفروض أن يكون يومًا عاديًا بالنسبة لي: تحضير عدد اخر من صحيفة "كل الناس"...صف الاخبار والتقارير والإعلانات وإرسال العدد الى المطبعة...لكن صبيحة أمس لم تكن مثلها مثل سائر الأيام: الكهرباء مقطوعة جراء عُطل قطري...المياه مقطوعة جراء انفجار في أنبوب رئيسي...لهنيهة عادت إلى أذهاني قصص جدي وستي، عن الحياة التي عاشوها في سنوات الاربعين والخمسين والستين من القرن الماضي. كيف عانوا الأمرّين لكي يصلوا للأرض، بدون سيارة وبدون اية الة من المواصلات. كيف قضى جدي يومًا كاملًا ليصل الى حيفا ليمارس أعمال التجارة...حقًا، لقد تعودنا على الرخاء!.
ولكن، خللًا بسيطًا يعيدنا الى أيام الماضي القاسي، الى حياة البساطة والكد والجد والعمل.
من اول شتوية انهالت الجدران والشوارع، هطلت الامطار على رؤوس طلاب المدارس...ما زلنا نعيش في القرون الوسطى من حيث ظروف حياتية وبنية تحتية.
الحقيقة تظهر عند الشدائد!.
اوضاعنا لم تتحسن مقارنة لما كان قبل خمسين عامًا.
نحن جيل مختلف..مختلف كليًا عن الجيل الماضي!.
فقدنا أواصر الوِحدة، الإلفة، التضامن مع الآخر.
مثال على ذلك؟ التحقيقات مع الشيوخ ومع أعضاء الحركة الشبابية من الكرمل، الذين قرروا ترك بيوتهم، أولادهم في ساعات الليل وفي البرد القارص، لاجل ان يتبرعوا وان يقوموا بحماية أهلهم ومجتمعهم من افات المجتمع المختلفة.
قرروا اتخاذ هذه الخطوة ليس سهوًا، بل لأنهم رأوا تقاعس وتقصير المؤسسات المسؤولة.
قبل أسبوعين حذّرت، ألّا تتكرر الكرّة والا يدفع قسم من هؤلاء الشباب الثمن، مثلما حصل مع شبابنا وشيوخنا في نضالات الأرض والهوائيات والنضال ضد الغرباء.
لم تمضِ سوى بضعة أيام وتم دعوة الشيوخ للتحقيق في الشرطة.
السبب واضح: محاولة لِكم الافواه، للتفرقة، لإخماد روح العطاء والغيرة والتبرع من اجل المجتمع.
كالعادة، بقي هؤلاء وحيدين امام الطوفان المؤسساتي، بدون "ظهر" يحميهم.
نحن مجتمع طيّب، تظهر طيبته عند الشدائد وتوجد امثلة قريبة على ذلك.
مشكلتنا، من يقودنا على كافة الأصعدة.
القيادة لدينا شبه معدومة، لا تقوم بواجبها من جهة وتحاول زرع الفتنة والتفرقة بيننا من جهة اخرى.
اقولها بشكل واضح: اذا الشعب أراد الحياة، فلا بد ان يستجيب القدر.
أنا لا أنصح بخرق القوانين، ولكن لا يُعقل الاستسلام في خضم الأوضاع الراهنة: نحن نرى ما يحدث، ولا يمكن ان نغض الطرف تجاه ذلك.
ليس عيبًا ان نتعلم من الآخرين كيفية خوض النضالات من اجل تحصيل الحقوق: انظروا لنضال ذوي الاحتياجات الخاصة في حينه، وانظروا لنضالات وتحركات أخرى قامت مطالِبة بتحصيل الحقوق وبتغيير الواقع.
تغيير الواقع بحاجة لإرادة، لروح التضحية والعطاء من اجل المصلحة العامة. خصل أضحت مع الأسف في غياهب الماضي في مجتمعنا، وحان الأوان لنحييها من جديد!!.