الانصهار ليس الحل/ وجهة نظر:منعم حلبي

نشرت وسائل الإعلام العبرية الاسبوع الفائت خبرًا مفاده، ان جنديًا درزيًا تعرض لإهانة عنصرية من قبل زملائه في الجيش، خلال دورة تأهيل للضباط، بحيث قاموا بتوبيخه قائلين:"أنت عربي قذر...سنعمل كل ما بوسعنا لكي لا تنهي دورة تأهيل الضباط".
الجندي لم يقدم شكوى رسمية، لذلك اكتفى ضباط الوحدة بإلقاء محاضرة امام هؤلاء الجنود العنصريين....
هذه الحادثة تنضم لعشرات، بل لمئات الحوادث التي وقعت في الجيش، بحيث يتعرض جنود بني معروف للمذلة والإهانة من قبل جنود وضباط يهود.
اعتقد، ان هذا دليلًا واضحًا على النظرة الفوقية المستعلية والمستهترة بنا كمجموعة عربية تقوم بواجبها المفروض عليها من خلال الخدمة العسكرية.
نظرة اليهود لكل من هو ليس يهوديًا ثابتة لا تتغير، بغض النظر عن المكان والزمان: نحن بمثابة "مرتزقة" من وجهة نظرهم، نقوم بواجبنا مقابل الربح والمال ليس أكثر من ذلك!.
نحن مضطهدون من قبل اليهود، الذين يستهترون بوجودنا، لأننا مندلقون على الخدمة وعلى الحاجة الدائمة ان نثبت اننا متساوون واننا نستطيع القيام بما يقوم به اليهودي على كافة الأصعدة.
نحن مُضطهدون كذلك من قبل سائر العرب لأننا نخدم في الجيش، برغم ان مئات المسلمين والمسيحيين يخدمون في كافة اذرع الجيش والشرطة، مع انهم غير مُجبرين على ذلك!.
المشكلة الأساسية، أننا لا نشعر بانتماء حقيقي في هذه البلاد، لا لعَلَم ولا للنشيد الوطني ولا للخدمة الإجبارية. نحن مُجبرون على القيام بهذه الخدمة، مثلما اننا مُجبرون على تعلم اللغة العبرية، حفظ النشيد الوطني، سماع تاريخ بن جوريون وهرتسل، بدلًا من تعلم تاريخ سلطان باشا الأطرش وكمال جنبلاط وجمال عبد الناصر.
سؤالي:أين القيادات؟ هذه القيادات مُرغمة على السكوت وعلى التغاضي عما يحدث لنا ولشبابنا.
نحن مجتمع بدون راعٍ وهذا أحد مسببات وصولنا للحضيض في كافة الأصعدة!.
أتخيل ماذا كانت ستكون ردة فعل الإعلام العبري المجند، لو كانت حيثيات الحادثة المذكورة عكسية، ولو قال على سبيل المثال الجندي الدرزي لليهودي:أنت يهودي قذر، عُد إلى بلادك في شرقي أوروبا...ماذا كان سيحدث من تطبيل وتزمير على مدى اسبوع واكثر.
أعزائي، نحن مجتمع فُرضت عليه المواد التعليمية المُختارة من قبل وزارة المعارف، لهدف تجهيلنا عن معرفة التاريخ والتراث الحقيقيين لشعبنا.
صحيح، وقعت احداث في سنوات الثلاثين من القرن الفائت، أدت لمشاحنات ولانقسامات بين أبناء الشعب الواحد.
هذا لا يقول، إن علينا محو التاريخ والحضارة والعادات والتقاليد المشتركة بيننا.
نحن شعب واحد، يواجه مشاكل واحدة مشابهة كليًا، مختلف الاراء والمعتقدات وهذا شيء طبيعي للغاية.
لكي نتقدم حضاريًا وتربويًا وثقافيًا، ولكي نُعيد امجاد الماضي البعيد، علينا العودة للعلم والتعليم.
ليس صدفة تم حرق المعالم والمكتبات الثقافية في العراق وفي القاهرة والاسكندرية والقسطنطينية على مر العصور الغابرة.
هذه المكتبات وثّقت ثقافة هذه الشعوب. هدف حرقها هو محاولة لمحو معالم تاريخية وثقافية لشعوب الارض.
هذه المحاولات تُجسِّد مع الأسف محاولات تجهيلنا منذ عام 1948 ولغاية يومنا هذا، ولا حول ولا قوة لدينا مقابل هذه المحاولات.
لذلك، علينا اخذ زمام الأمور، خاصة في ظل الانفتاح والعولمة التكنولوجية، لإعادة هيكلة الحقائق التاريخية والثقافية والتربوية والحضارية التي ميزت شعبنا.
انا مع التعددية الفكرية والدينية ومع الليبيرالية الفكرية والمعتقداتية لشعوب الارض. من جهة أخرى، انا ضد فرض الجهل والانصهار الكلي على أمة ذاقت الأمرّين على مر العصور!.