دروز في زمن الضياع وغفلة الحياة..!/ خليل حلبي

المشهد السياسي والاجتماعي الوضيع لمجتمعنا المعروفي ناتج عن عدم مقدرة النخب والقيادات مواجهة المتغيرات السياسية والاجتماعية، ويشير الى ضعف وانهزام هو سبب ملاحقاتنا كل مدة في مسلسلات درامية تفاجئنا بها حكومة اسرائيل على اراضينا وبيوتنا. نحن لم نتعلم من سياسات الماضي او التاريخ بل نحن مستمرون في نفس النهج المتقوقع في اشخاص تتغيّر فيهم الاشكال والهياكل البشرية، اما السلوك؟.....هذا نابع من هندسة بشرية بدأوا بها سنة 1956 وباقية الى الان.
الاحداث المتسارعة والمتغيرات الجيوسياسية العالمية والإقليمية اثرت سلبًا على دول الجوار وعلى الداخل الإسرائيلي اليهودي, وكانت فرصة لفرض أجندات يمينية داخل الدولة ولإقرار يهودية الدولة قانونيا وفوق كل اعتبار، متجاهلين المواطن غير اليهودي, كذلك استغلال فرصة للتعدي على اراضينا وبيوتنا بأساليب وبحجج واهية. للأسف لم تؤثر فينا المتغيرات, لا في مفاهيمنا ولا عقولنا، استمرينا في الانسياب والتعامل مع المؤسسة الحكومية الاسرائيلية بمفهوم وعقلية المخاتير وللأسف ما زلنا نسير كالقطيع لا يرى يمينًا ولا شمالًا ولا يفكر بأحواله وحياته، يعيش الاحلام والاوهام من اجل افراد ومنتفعين يعملون لخدمة الأسياد. كيف لم نعِ السياسة وابعادها بعد ان صادروا لنا اكثر من 75% من اراضينا؟ كيف لم ننتبه الى سياسات التمييز والاستهتار وعدم مساواتنا رغم الواجبات المدنية والامنية التي قدمناه لأكثر من 70 عامًا؟. كيف اتوا بلجنة كامينتس التي نعتتنا بأوصاف مذلة ومن ثم تشريع لقانون كامينتس ولم تعارضه القيادات والنخب الرسمية بشكل موضوعي وجاد ولم تدرس اهدافه وابعاد تأثيراته على وجودنا؟. كيف يمكن ان يشرّعوا قانون القومية رغم وجود مسودة للقانون اكثر من سبع سنين في الكنيست وبعد ان اعطيت لقيادات درزية لتدرسه وتعقب عليه؟ كيف لم تتحفظ عليه وفضلت السكوت؟ قانون ابطل وجودنا وحق المواطنة وابطل حتى الهامش الذي اعطانا شعور المواطنة من خلال وثيقة الاستقلال وسياسات الكلام المعسول، هذا الشعور انتهى عندما سنحت فرصة للمتغيرات الاقليمية والمحلية, جاء نتنياهو وسموتريش ليقولا لنا بالحرف الواحد: لا خدمة عسكرية تُحسب لكم ولا انصياع واندلاق يفيدكم. اليوم نعيدكم الى دائرتكم الاولى، انتم والمجتمع العربي حالة واحدة ولا فرق بينكم. التفضيل الحقيقي هو للعرب والمعطيات تؤكد ان ازدواجية المعايير لسياسات الحكومة اتجاه الدروز مقابل الانسان العربي، تميل لصالح العربي, واليكم بعض المعطيات.
1) اعادت حكومات اسرائيل للعرب اراضي الخيط (سخنين – عرابة) التي تضم حوالي 7000 دونم، وكذلك ارض الروحة.
مناطق عسكرية, للدروز ولا ذرة تراب.
2) ابطال مصادرة 800 الف دونم في النقب مخطط برفرمن بعد ان صودروا بقرار حكومي.
3) الاعتراف ب25 قرية من مجموع 30 قرية لم يعترفوا بهم منذ قيام الدولة.
4) تخصيص 15 ميلارد شاقل للمجتمع العربي باعتراف حكومي انه يوجد تقصير في قضايا التخطيط والبناء.
5) تخصيص اراضي دولة للمواطن العربي في ام الفحم، بناء مشترك بين اثنين على مساحة 700 م بينما للجنود المسرحين الدروز 400 متر شراكة بين اثنين, كنت شاهدًا على النقاش.
6) الحكومات الاسرائيلية دمجت المواطن العربي في مؤسسات الدولة, منها توظيف عربيين في مناصب قضاة في محكمة العدل العليا: سعادة القاضي عبد الرحمان الزعبي وسليم جبران، وزير عربي السيد غالب مجادلة مع وزارة وميزانيات (مش وزير نفاق وهز ذنب) مدير لمكتب وزارة الداخلية كان السيد اوسكار ابو رزق من يافا، السيد نواف مصالحه كان نائبا لوزير الخارجية, حاكم لواء حيفا السيد فايز حنا, جنرال في شرطة إسرائيل السيد حكروش، مسؤول عن الميزانيات في مكتب رئيس الحكومة للعرب والدروز من كفر قرع، ومدير مستشفى نهاريا عربي وهناك المئات من الاطباء في مناصب ذات اهمية، واليوم توظيف السيد اسماعيل خالدي سفيرًا في دولة ارتريا، عدا العدد الكبير من الوظائف التي لم يحصل عليها دروز..
هذه المقارنة تؤكد، ان التمييز هو لصالح الانسان العربي, لان المجتمع العربي منظم وقياداته وممثليه يعملون بمهنية ومسؤولية من خلال مؤسسات مستقلة كعدالة, المركز العربي للتخطيط البديل, مساواة ومراكز بحث لتحسين حالة المجتمع العربي في الدولة. هناك ايضا اعلام عربي مستقل، اذاعة وتلفزيون وقيادة وطنية شريفة تدافع عن ابناء مجتمعهم. هم لا يخدمون في الجيش من خلال قانون وانما كمواطنين. حكومات اسرائيل تعاملنا بالمظاهر والشكليات وفي الحقيقة تستغل جهل ونفاق قياداتنا وتستهتر بنا, ما يثبت اننا بالنسبة لحكومات اسرائيل وفي جميع المعايير عربا, في الميزانيات عرب والقوانين عرب وقرارات الملاحقة والتمييز عربا. لا تغتروا بالتمثيليات والشكليات بالمحبة واحترامهم لنا، انها لعبة وعلى ذقوننا.
خلاصة القول: حكومات اسرائيل بما فيها الحكومية الحالية (اليمين اللي بحبنا) تستخف بنا وتتعامل مع المواطن العربي بما يفيد مصالحها، تستفيد من قدراته وخبراته في مجال اختصاصه ولا تلتفت لجنسيته,( سياسة استغلال للقدرات) ما يمكّن كل عربي ناجح ان يتبوأ مناصب عليا, البرجماتية هي سيد الموقف, نحن لا نعي السياسات والمتغيرات, نسير في خط مستقيم دون تفكير او تقييم لوضعنا. اصحاب القرار في الدولة يرفضون الاعتراف بنا مواطنين وعليه لماذا لا نتعامل مع السياسات الحكومية من خلال استراتيجية جديدة وبرامج عمل للحفاظ على مصالحنا بعيدًا عن العلاقات الشخصية لشخصيات مشبوهة؟ لماذا لا نكون برغماتيين ونصلّح موقفنا مع عرب اسرائيل ونتساعد معهم في القضايا المصيرية كالتخطيط والبناء ومصادرة الارض؟؟؟ اذا الخواجات انفسهم يتساعدون بالقيادات العربية والمواطن العربي لماذا محرم علينا التنسيق معهم, ومن اجل من؟؟ انا لا اقول غيروا اتجاهاتكم بل غيروا الاساليب.
في النهاية اقول، ان تجهيل مجتمعنا مقصود وذلك لجعلنا طائفة خائفة ركيكة ومنصهرة بهوية درزي خجول وبدون شخصية مستقلة ومن اجل السيطرة عليها وتنصيب مرتزقه لإدارة شؤونها. مجتمعنا يتفكك والقيادات والنخب عاجزه واكبر دليل نتائج مظاهرات الغضب ورد سموتريش على احداث الزابود وسكوت القيادات والنخب. نحن في غفلة والزمن ليس في صالحنا. القيادات اغلبها مندلقة ومنافقة لا تتحمل مسؤولية اوضاع المواطن ولا تستطيع مواجهة التحديات, نحن دائمًا في حالة دافع لم نرَ مبادرة واحدة للتغيير, ولا حتى تقريرًا واحدًا من قيادات الطائفة يدحض سياسات الحكومات اتجاهنا, الحكومات تضطهدنا, والقيادات تعتذر فقط. هذا ضياع كامل لحقوقنا ولكل ما قدمناه. المجتمع لم يعد يتحمل مزيدًا من الانهيار والضياع. على الاحرار في الطائفة الاجتماع لبناء هيكلة اجتماعية وقيادية حرة ومستقلة تكسب ثقة المواطن وتعمل على تصحيح موقعنا في الدولة بعيدًا عن المصالح الشخصية للانتهازيين المستعمَرين فكريًا وماديًا.