التجنيد الإجباري للدروز: كل الحقائق! الدروز رفضوا الخدمة في الجيش...باقي الشباب العرب رحّبوا بها!

عام 1954 تقرر تجنيد العرب للجيش: المستندات التاريخية تثبت، ان الشباب تحمسوا للخدمة، ولكن المسؤولين في الدولة تراجعوا
*عام 1956 تقرر إجبار الدروز على التجند: غالبيتهم رفضوا، ولكن التهديدات والإغراءات فرضت عليهم الخدمة
*هذه الحقائق يجب ان تضع الأمور في نصابها، ويجب ان تضع تحديًا للخطاب السائد بصدد تجند الدروز، وعلاقة الدروز التاريخية مع اليهود. يجب بالأساس ان تفرض على باقي العرب في البلاد وعلى الفلسطينيين بالمجمل، جرد حساب جديد مع أنفسهم، ومع موقفهم من أبناء الطائفة
د.رباح حلبي
من خلال هذه المادة لا أعني أحدًا، ولا اجرد حسابًا مع أحد ولا انتقد أيًا كان، بل احاول من خلالها اظهار الحقيقة، لأن الحقيقة في عصرنا اصبحت عملة صعبة بل عملة نادرة, واحياناً غير مرغوب بها!. من خلال عملي على التحضير لكتاب يتصدى للدروز في إسرائيل بين 1936 و1956, تجلت امامي حقائق جديدة بالنسبة لتجنيد الدروز, وبالأخص ما سبق ذلك ويتعلق بتجنيد العرب الفلسطينيين في إسرائيل.
في عام 1949 عندما سُن قانون التجنيد الاجباري، استثنوا العرب منه بإشعار من وزير الدفاع، حيث جاء نص القانون بما معناه، انه "يحق لجيش الدفاع تجنيد كل مواطن في الدولة، وذلك بقرار من سلطات التجنيد". والسلطة، ووزير الدفاع بعينه بن غوريون والذي شغل منصب رئيس الحكومة، لم يرَ من المناسب تجنيد العرب، بل فكره وأيدولوجيته كانت تصب في مسار تهميش واقصاء العرب، وعدم دمجهم في مرافق الدولة كسائر المواطنين اليهود.
في اواخر سنة 1953 عندما قرر بن غوريون اعتزال الحياة السياسية، عُين بدلًا منه موشيه شريت رئيساً للحكومة وبنحاس لفون وزيراً للدفاع. جاء لفون مخالفاً تماماً لبن غوريون من ناحية فكره ونظرته اتجاه العرب، فأعتقد لفون انه يجب دمج العرب في حياة الدولة بكل مرافقها، من اجل المساواة التامة بينهم وبين سائر المواطنين في الدولة. ومن ضمن هذه النظرة الشمولية اعتقد، ان على الدولة تجنيد العرب كسائر المواطنين اليهود. وهو حرر مرسوماً في هذا السياق في تاريخ 9 أيلول 1954 جاء فيه:"
من اجل تحرير العرب من الإحساس بالغبن والتمييز، ومن خلال النية في إحقاق المساواة في الحقوق والواجبات بين كل المواطنين في الدولة، قرر وزير الدفاع ان يطبق قانون التجنيد على كل مواطني الدولة، وأوعز لقسم القوة البشرية ان تأخذ على عاتقها تسجيل القطاعات التي لم تُجنَّد حتى الآن". وكان القصد طبعاً تجنيد العرب.
في 25 من نفس الشهر، وبحسب تعليمات وزير الدفاع، فُتح باب التسجيل للجندية امام العرب. بحسب المرسوم كان من المفروض تجنيد الشباب العرب في جيل 18 -20, وبلغ عددهم 4621 شابًا. في غضون أشهر قليلة بلغ عدد المسجلين للتجنيد حوالي 4000 شاب وهو ما يقارب 90% من عدد المطلوبين للتجنيد. عارض غالبية الاهالي لهذا التجنيد لكن الشباب في غالبيهم تحمسوا له، بل حتى طالب بعض هؤلاء الذين تعدت اعمارهم العشرين بتجنيدهم.
عارض رئيس اركان الجيش في حينه موشيه ديان تجنيد العرب بشدة، ودعمه بذلك كل الضباط الكبار، دون استثناء. كما عارض هذه الخطوة الغالبية الساحقة من الوزراء. كما يبدو ان الوحيد الذي وافق عليها، هو رئيس الحكومة شاريت لكن موافقته كانت خجولة ولم يدعم موقف وزير الدفاع امام حلة المعارضين والمهاجمين.
بسبب هذه المعارضة، بقت قضية تسجيل الشباب العرب في مكاتب التجنيد معلقة رغم استياء الشباب ومطالبة بعضهم بتطبيق القانون وتجنيدهم كما تقرر. ما أدى الى الغاء هذا القرار ودفن هذه المبادرة نهائياً هو تورط وزير الدفاع لفون فيما يسمى "עסק הביש"، في مصر، مما أجبره على الاستقالة في أوائل سنة 1955, واستبداله ببن غوريون والذي عاد ليزاول منصب رئيس الحكومة ايضاً في أواخر تلك السنة. وكما ذكرنا سابقاً أن بن غوريون عارض فكرة تجنيد العرب جملة وتفصيلاً, فألغى ما بادر اليه لافون.
في سنة 1956 وبأعقاب الغاء قرار تجنيد العرب، تقرر بعد مداولات في أروقة الجيش تجنيد أبناء الطائفة الدرزية عنوة عن باقي العرب، وأُقر قانون التجنيد الاجباري للدروز. كان القرار محض إرادة الجيش ووزير الدفاع ورئيس الحكومة لأسبابهم، كما اثبت بعد كشف المستندات في الأرشيف, لكن بإيعاز من وزير الدفاع لُفقت مسرحية مطالبة القيادات الدرزية بهذا التجنيد.
احد الأسباب المركزية لتجنيد أبناء الطائفة كانت تنفيذ سياسة فرِّق- تسُد، وذلك كما جاء على لسان أحد الضباط الكبار الذي أوصى تجنيد الدروز:" أهداف السياسة اتجاه الدروز-المحافظة على خاصية الطائفة، وكذا اثبات انه ممكن الاندماج الكامل للعرب في إسرائيل". ويُكمل ذلك الضابط ويقول بصريح العبارة:" عنوة عن الخاصية الدينية-كل فصل بين الدروز والعرب هي اصطناعية وسياسة موجهة"!!.
بقي ان نذكر، ان قانون التجنيد الاجباري على الدروز قوبل بمعارضة شديدة من قبل الشباب الدروز، لدرجة ان دفعة التجنيد الأولى التي كانت مخططة لشهر آذار 1956 ارجئت، لأن 28% فقط من المفروض ان يتجندوا امتثلوا في وحدات التجنيد. ذلك أدى الى استنفار في قيادات الجيش المسؤولة عن تجنيد الدروز وتقرر ضرب الرافضين بيد من حديد وزجهم في السجون بالعشرات، الأمر الذي أدى الى ارتفاع نسبة التجنيد في الجولة الثانية لما يقارب من خمسين بالمئة، وبعدها وبسبب التهديدات والاغراءات انتظم الشباب وتجندوا، ليصبح بعد سنين الأمر مفروغًا منه، وقضية اقتصادية أكثر من كونها موقفًا سياسيًا وفكريًا وايديولوجيًا.
طبعاً استغل باقي العرب على مر السنين هذه القضية كشماعة يلقون عليها اخفاقاتهم، بدل احتضان شباب الطائفة. وخوّن بعضهم الطائفة بجلها، بينما الحقيقة تشير الى أن العرب بمجملهم (90%) هبوا للتسجيل للجندية عندما دُعوا لذلك عام 1954, وغالبية الشباب الدروز(حوالي 70%), رفضوا التجنيد في بداية الأمر رغم فرض قانون التجنيد الاجباري عليهم عام 1956. ومن يدري ما كانت ستؤول اليها الامور لولا تورط لفون واستقالته في حينها!.
هذه الحقائق يجب ان تضع الأمور في نصابها، ويجب ان تضع تحديًا للخطاب السائد بصدد تجند الدروز، وعلاقة الدروز التاريخية مع اليهود. يجب بالأساس ان تفرض على باقي العرب في البلاد وعلى الفلسطينيين بالمجمل، جرد حساب جديد مع أنفسهم، ومع موقفهم من أبناء الطائفة. الفرصة سانحة الآن، وبعد فرض قانون القومية، لزعزعة المعادلات التي فرضتها علينا السلطة ومحاولة إعادة ترتيب البيت العربي. ذلك يتطلب في البداية وكشرط أساسي اعتراف الأغلبية بأخطائها وغبنها التاريخي لأقلية الدروز في البلاد!

المعلومات التي جئت بها هنا موثقة ومدونة في عدة نصوص ومصادر علمية ذات مصداقية، وتعتمد على مستندات من اراشيف مختلفة، لم اوردها هنا لأنني لست بصدد مقال علمي، رغم ذلك أذكر أهمها والرئيسي الذي استندت عليه وهو:

Randall S. Geller. (2014). Defense Minister Pinhas Lavon and the Arab Draft That Never Was. Israel Studies Vol. 19,( 1), pp. 1-23.